فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحَدِيث الْحَادِي عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَفظ البُخَارِيّ عَنْهَا «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب غسل فرجه وَتَوَضَّأ للصَّلَاة». وَلَفظ مُسلم: «كَانَ إِذا كَانَ جنبا فَأَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة». وَفِي لفظ «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة قبل أَن ينَام». فَزَاد عَلَى البُخَارِيّ الْأكل.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظ: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل أَو ينَام تَوَضَّأ- تَعْنِي وَهُوَ جنب».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ المُصَنّف إِلَى قَوْله: «تَوَضَّأ». وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلابْن حبَان فِي صَحِيحه «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينَام وَهُوَ جنب لم ينم حَتَّى يتَوَضَّأ، وَإِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل غسل يَدَيْهِ» وَفِي رِوَايَة للنسائي أَيْضا «وَإِذا أرد أَن يَأْكُل أَو يشرب».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يطعم وَهُوَ جنب غسل يَدَيْهِ ثمَّ طعم». وَهَذِه الرِّوَايَات ترد عَلَى قَول الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي النِّكَاح فِي بَاب غسل الْيَد قبل الطَّعَام وبعده: لم يثبت فِي غسل الْيَد قبل الطَّعَام حَدِيث. فَإِن قلت: مَا الْجَواب عَن حَدِيث سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي- بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة- عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كَانَ ينَام وَهُوَ جنب وَلَا يمس مَاء» رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة؟
قلت: عَنهُ جوابان أَحدهمَا: الطعْن فِيهِ، قَالَ أَبُو دَاوُد عَن يزِيد بن هَارُون: وهم السبيعِي فِي هَذَا- يَعْنِي فِي قَوْله: «وَلَا يمس مَاء»- وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: يرَوْنَ أَن هَذَا غلط مِنْهُ. وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: ذكرت هَذَا الحَدِيث يَوْمًا فَقَالَ لي إِسْمَاعِيل: يَا فَتى، سَنَد هَذَا الحَدِيث سيئ. وَقَالَ أَحْمد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح. ثَانِيهمَا: تَصْحِيحه مَعَ تَأْوِيله. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: طعن الْحفاظ فِي هَذِه اللَّفْظَة وتوهموها مَأْخُوذَة عَن غير الْأسود، وَأَن السبيعِي دلّس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث السبيعِي بِهَذِهِ الزِّيَادَة صَحِيح من جِهَة الرِّوَايَة؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَمَاعه من الْأسود، والمدلس إِذا بَيَّنَ سَمَاعه مِمَّن رَوَى عَنهُ وَكَانَ ثِقَة فَلَا وَجه لرده. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: إِن قيل أَخطَأ فِيهِ سُفْيَان؛ لِأَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة خَالف. قُلْنَا: بل أَخطَأ بِلَا شكّ من خطأ سُفْيَان بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيل. وسُفْيَان أحفظ من زُهَيْر بِلَا شكّ، وَتَبعهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام فَقَالَ: رِجَاله ثِقَات. وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحدهمَا: أَن المُرَاد لَا يمس مَاء للْغسْل؛ ليجمع بَينه وَبَين حَدِيثهَا الآخر، وَهَذَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شُرَيْح وَاسْتَحْسنهُ.
وَالثَّانِي: أَنه كَانَ يتْرك الْوضُوء فِي بعض الأحيان لبَيَان الْجَوَاز إِذْ لَو واظب عَلَيْهِ لاعتقد وُجُوبه، وَهُوَ حسن أَيْضا، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن ابْن عمر «أَنه سَأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ فَقَالَ: نعم، وَيتَوَضَّأ إِن شَاءَ».
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَرْفُوع: «لَا أحب أَن يبيت الْمُسلم وَهُوَ جنب؛ أَخَاف أَن يَمُوت فَلَا تحضره الْمَلَائِكَة» فَفِي إِسْنَاده يزِيد بن عِيَاض وَلَيْسَ هُوَ بِشَيْء كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» وَسُئِلَ مَالك عَن ابْن سمْعَان، فَقَالَ: كَذَّاب. قيل: فيزيد بن عِيَاض؟ قَالَ: أكذب وأكذب.

.الحديث الثَّانِي عشر:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ بدا لَهُ أَن يعاود فَليَتَوَضَّأ بَينهمَا وضُوءًا».
هَذَا الحَدِيث ضعفه الشَّافِعِي رَضي اللهُ عَنهُ فَقَالَ- عَلَى مَا نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي كتاب النِّكَاح-: قد رُوِيَ فِيهِ حَدِيث وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يثبت مثله.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث جمَاعَة عَن عَاصِم، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَتَى أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعود فَليَتَوَضَّأ». وَفِي لفظ «بَينهمَا وضُوءًا. وَقَالَ ثمَّ أَرَادَ أَن يعاود». وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده دون البُخَارِيّ.
ورَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ «إِذا غشي أحدكُم أَهله ثمَّ أَرَادَ أَن يعود فَليَتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة» زَاد أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بعد رِوَايَة مُسلم السالفة: «بَينهمَا وضُوءًا»: «فَإِنَّهُ أنشط للعود».
وقَالَ ابْن حبَان: تفرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَترْجم عَلَيْهِ فَقَالَ: ذكر الْعلَّة الَّتِي من أجلهَا أَمر بِهَذَا الْوضُوء. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم وَلم يخرجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا أَخْرجَاهُ إِلَى قَوْله «فَليَتَوَضَّأ» فَقَط، وَلم يذكرَا فِيهِ «فَإِنَّهُ أنشط للعود». قلت: قَوْله: «إِنَّمَا أَخْرجَاهُ» إِلَى قَوْله: «فَليَتَوَضَّأ» وهم مِنْهُ؛ فَالْحَدِيث من أَصله من أَفْرَاد مُسلم كَمَا قدمْنَاهُ، ثمَّ قَالَ- أَعنِي الْحَاكِم-: وَهَذِه لَفْظَة تفرد بهَا شُعْبَة عَن عَاصِم، والتفرد من مثله مَقْبُول عِنْدهمَا. وَأخرجه أَيْضا ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَترْجم عَلَيْهِ مَا يدل عَلَى النشاط الْمَذْكُور للعود.
تَنْبِيهَات: أَحدهَا: ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس «أَنه صَلَّى كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ بِغسْل وَاحِد». وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن قَتَادَة، عَن أنس «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَدُور عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة من اللَّيْل وَالنَّهَار وَهن إِحْدَى عشرَة. قلت لأنس: أوكان يطيقه؟ قَالَ: كُنَّا نتحدث أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ». وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ يطوف عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَة الْوَاحِدَة وَله يَوْمئِذٍ تسع نسْوَة».
وَقَالَ مُجَاهِد- فِيمَا أسْندهُ أَبُو نعيم-: «أعطي رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا كل رجل من أهل الْجنَّة». وَثَبت فِي الصَّحِيح «أَن طول كل رجل من أهل الْجنَّة سِتُّونَ ذِرَاعا عَلَى قدر آدم» «وَأَن أحدهم يُعطى قُوَّة مائَة رجل فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والشهوة وَالْجِمَاع» فَيحْتَمل أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَوَضَّأ بَينهمَا وَيحْتَمل أَنه تَركه لبَيَان الْجَوَاز.
وَأما حَدِيث أبي رَافع «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طَاف عَلَى نِسَائِهِ ذَات لَيْلَة يغْتَسل عِنْد هَذِه وَعند هَذِه، فَقيل: يَا رَسُول الله، أَلا تَجْعَلهُ غسلا وَاحِدًا؟ فَقَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأطيب وأطهر».
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فَفِيهِ جوابان: أَحدهمَا: أَنه حَدِيث لَا يَصح. قَالَه ابْن الْقطَّان، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيث أنس أصح مِنْهُ.
ثَانِيهمَا: أَنه عَلَى تَقْدِير صِحَّته مَحْمُول عَلَى أَنه كَانَ فِي وَقت وَذَاكَ فِي آخر، كَمَا قَالَه النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب قَالَ: وَالْحَدِيثَانِ محمولان عَلَى أَنه كَانَ برضاهن إِن قُلْنَا بالأصح، وَقَول الْأَكْثَرين أَن الْقسم كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ فِي الدَّوَام فَإِن الْقسم لَا يجوز أَن يكون أقل من لَيْلَة لَيْلَة إِلَّا برضاهن.
فَائِدَة: اخْتلف فِي عدد النسْوَة، فَقيل: تسع. كَمَا سلف، وَقيل: إِحْدَى عشرَة. كَمَا سلف أَيْضا، وَجمع بَينهمَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِأَن هَذَا كَانَ فِي آخر قدومه الْمَدِينَة، وَالْأول كَانَ فِي أول قدومه. قَالَ: وَهَذَا الْفِعْل وَقع مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مرَارًا كَثِيرَة لَا مرّة وَاحِدَة.
وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي كتاب الْقسم من أَحْكَامه: الْمَشْهُور عشر نسْوَة معروفات فِي الْقسم: عَائِشَة، وَحَفْصَة، وَأم سَلمَة وأم حَبِيبَة، وَسَوْدَة، وَزَيْنَب بنت جحش، وَزَيْنَب بنت خُزَيْمَة، ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث، وَصفِيَّة بنت حييّ. والحادية عشرَة: يجوز أَن تكون إِحْدَى ثَلَاث نسْوَة ثَبت أَنه دخل بِهن: فَاطِمَة بنت الضَّحَّاك، وعالية بنت ظبْيَان- الكلابيتان- وَرَيْحَانَة بنت شَمْعُون.
التَّنْبِيه الثَّانِي: قد علمت الْحِكْمَة فِي اسْتِحْبَاب الْوضُوء بَينهمَا وَأَنَّهَا للنشاط إِلَى الْعود وَمثله الْغسْل، وَنقل ابْن الصّلاح، عَن أبي عبد الله الفراوي خلافًا فِي الْحِكْمَة، فَقَالَ: قيل للتقذر. وَقيل: لِأَن تَركه يُورث الْعَدَاوَة. وَجزم الرَّافِعِيّ بِالْأولِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَقْصُود مِنْهُ التنظف وَدفع الْأَذَى.
الثَّالِث: عِنْد ابْن حزم مصححًا «فَلَا يعود حَتَّى يتَوَضَّأ». ثمَّ قَالَ: لم نجد لهَذَا الْخَبَر مَا يخصصه وَلَا مَا يُخرجهُ إِلَى النّدب إِلَّا خَبرا ضَعِيفا رَوَاهُ يَحْيَى بن أَيُّوب عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْأسود، عَن عَائِشَة «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُجَامع، ثمَّ لَا يعود وَلَا يتَوَضَّأ، وينام وَلَا يغْتَسل». قَالَ: وبإيجاب الْوضُوء يَقُول عَطاء وَإِبْرَاهِيم وَعِكْرِمَة وَابْن سِيرِين وَالْحسن.

.الحديث الثَّالِث عشر:

رُوِيَ عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «يَا رَسُول الله، أيرقد أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليرقد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من حَدِيث وَلَده عبد الله عَنهُ كَذَلِك، والسياق للْبُخَارِيّ وَزَاد «وَهُوَ جنب». وَفِي لفظ لمُسلم: «نعم، ليتوضأ ثمَّ لينم حَتَّى يغْتَسل إِذا شَاءَ» بعد قَوْله «فليرقد» وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا «قَالَ: نعم، وَيتَوَضَّأ إِن شَاءَ».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَقد يرْوَى أَنه قَالَ: «اغسل فرجك وَتَوَضَّأ ثمَّ نم».
قلت: مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: «ذكر عمر لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه تصيبه الْجَنَابَة من اللَّيْل، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: تَوَضَّأ واغسل ذكرك ثمَّ نم» فيستغرب إِذن من الرَّافِعِيّ فِي قَوْله: قد يرْوَى فِي حَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته.

.الحديث الرَّابِع عشر:

قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة، فبلوا الشّعْر وأنقوا الْبشرَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمَا، وَالتِّرْمِذِيّ فِي جامعه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة السّنَن، والْمعرفَة، والخلافيات، والعقيلي فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ، كاللفظ الْمَذْكُور وَلَفظ د، ت: «فَاغْسِلُوا» بدل «بلوا»، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، وَسبب ضعفه أَن مَدَاره عَلَى الْحَارِث بن وجيه، وَيُقَال: ابْن وجيه الرَّاسِبِي الْبَصْرِيّ وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء كَمَا قَالَه ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ البُخَارِيّ: فِي حَدِيثه بعض الْمَنَاكِير. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثه مُنكر وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ عَن الْمَشَاهِير. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله، عَن أَبِيه: هَذَا حَدِيث مُنكر، والْحَارث ضَعِيف الحَدِيث. وَقَالَ الْعقيلِيّ: الْحَارِث هَذَا لَهُ غير حَدِيث مُنكر وَلَا يُتَابع عَلَى هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَله إِسْنَاد آخر فِيهِ لين أَيْضا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِنَّمَا رُوِيَ عَن الْحسن مُرْسلا، وَلَا يَصح مُسْندًا والْحَارث ضَعِيف.
قلت: وَكَذَا أخرجه مُرْسلا أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن فِي كتاب الصَّلَاة، وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت. وذكره بِلَفْظ «بلوا» بدل «اغسلوا». قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: هُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث تفرد بِهِ مَوْصُولا الْحَارِث بن وجيه، وَقد تكلمُوا فِيهِ. قَالَ: وَسُئِلَ يَحْيَى بن معِين عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء. قَالَ: وَأنْكرهُ غَيره من أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ: البُخَارِيّ، وَأَبُو دَاوُد السجسْتانِي، وَغَيرهمَا. قَالَ: وَإِنَّمَا يرْوَى عَن الْحسن عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُرْسلا، وَعَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا.
قَالَ فِي الْمعرفَة والخلافيات: وَلَا يثبت سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث الْحَارِث بن وجيه وَهُوَ شيخ لَيْسَ بِذَاكَ، وَقد رَوَى عَنهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، وَقد تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن مَالك بن دِينَار. وَكَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله: تفرد بِهِ الْحَارِث عَن مَالك مَرْفُوعا، وَإِنَّمَا يرْوَى هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: وروينا هَذَا الحَدِيث أَيْضا عَن عَائِشَة وَأنس مَرْفُوعا بِإِسْنَادَيْنِ لَا يتساويان ذكرهمَا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَفِي الْبَاب عَن عَلّي وأنس أَيْضا.
قلت: وفِيهِ عَن أبي أَيُّوب أَيْضا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث عتبَة بن أبي حَكِيم، حَدثنِي طَلْحَة بن نَافِع، حَدثنِي أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَأَدَاء الْأَمَانَة كَفَّارَة لما بَينهمَا. قلت: وَمَا أَدَاء الْأَمَانَة؟ قَالَ: غسل الْجَنَابَة فَإِن تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة».
عزاهُ إِلَى ابْن مَاجَه ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه وَكَذَا صَاحب الإِمام ورأيته أَنا فِي نُسْخَة من سنَنه وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَعتبَة فِيهِ لين، وَكَذَا طَلْحَة وَإِن أخرج لَهُ مُسلم وَالْبُخَارِيّ مَقْرُونا.

.الحديث الخَامِس عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ فسروا قَول الشَّافِعِي «ثمَّ يغسل مَا بِهِ من الْأَذَى» بِموضع الِاسْتِنْجَاء إِذا كَانَ قد استنجى بِالْحجرِ، وَكَذَا فسروا لفظ الْأَذَى فِي الْخَبَر. ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وَمِنْهُم من فسَّرهُ فِي كَلَام الشَّافِعِي وَنَحْوه مِمَّا يستقذر. وَهَذَا الْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ ثَابت فِي حَدِيث عَائِشَة الْآتِي عَلَى الإثر، وَفِي حَدِيث مَيْمُونَة أخرجه البُخَارِيّ عَنْهَا قَالَت: «تَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ، وَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى، ثمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثمَّ ينحي رجلَيْهِ فغسلهما، هَذَا غسله من الْجَنَابَة».

.الحديث السَّادِس عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة بَدَأَ فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة، ثمَّ يدْخل أَصَابِعه فِي المَاء فيخلل بهَا أصُول شعره، ثمَّ يفِيض المَاء عَلَى جلده كُله».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة بِهِ إِلَّا أَنه قَالَ: «أصُول الشّعْر» بدل «أصُول شعره». وَزَاد «ثمَّ يصب عَلَى رَأسه ثَلَاث غرف بِيَدِهِ» ثمَّ ذكر الْإِفَاضَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور فِيهِ، وَرَوَاهُ البُخَارِيّ كَذَلِك إِسْنَادًا ومتنًا.
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَنْهَا قَالَت: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة يبْدَأ فَيغسل يَدَيْهِ، ثمَّ يفرغ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَاله فَيغسل فرجه، ثمَّ يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ يَأْخُذ المَاء فَيدْخل أَصَابِعه فِي أصُول الشّعْر حَتَّى إِذا رَأَى أَن قد اسْتَبْرَأَ، حفن عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات، ثمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جسده، ثمَّ غسل رجلَيْهِ». وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث وَكِيع عَن هِشَام بِهِ «فَبَدَأَ فَغسل كفيه ثَلَاثًا». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ من غير حَدِيث مَالك «حَتَّى إِذا ظن أَنه قد أروى بَشرته أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء ثَلَاث مَرَّات». وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا: «كَانَ إِذا اغْتسل بَدَأَ بِيَمِينِهِ فصب عَلَيْهَا من المَاء فغسلها ثمَّ صب المَاء عَلَى الْأَذَى الَّذِي بِهِ بِيَمِينِهِ وَغسل عَنهُ بِشمَالِهِ حَتَّى إِذا فرغ من ذَلِك صب عَلَى رَأسه».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بعد قَوْله «ثَلَاث حثيات»: «وَأفضل فِي الْإِنَاء فضلا فَصَبَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا فرغ».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقَوله فِي آخر الحَدِيث الْمُتَقَدّم «ثمَّ غسل رجلَيْهِ» غَرِيب صَحِيح، حفظه أَبُو مُعَاوِيَة دون غَيره من أَصْحَاب هِشَام من الثِّقَات وَذَلِكَ للتنظيف- إِن شَاءَ الله.

.الحديث السَّابِع عشر:

عَن مَيْمُونَة رَضي اللهُ عَنها «أَنَّهَا وصفت غسل رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَت: ثمَّ تمضمض واستنشق وَغسل وَجهه وذراعيه، ثمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِر جسده، ثمَّ تنحى فَغسل رجلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من حَدِيثهَا قَالَت: «أدنيت لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غسله من الْجَنَابَة فَغسل كفيه مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فِي الْإِنَاء، ثمَّ أفرغ بِهِ عَلَى فرجه وغسله بِشمَالِهِ، ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ الأَرْض فدلكهما دلكا شَدِيدا، ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، ثمَّ أفرغ عَلَى رَأسه ثَلَاث حفنات ملْء كَفه، ثمَّ غسل سَائِر جسده، ثمَّ تنحى عَن مقَامه ذَلِك فَغسل رجلَيْهِ، ثمَّ أَتَيْته بالمنديل فَرده».
قَالَ مُسلم: وَفِي حَدِيث وَكِيع وصف الْوضُوء، فَذكر الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ» وَقد أسلفناها فِي الحَدِيث الْخَامِس بِطُولِهَا، وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي صفة وضوئِهِ «غسل راسه ثَلَاثًا».
فَائِدَة: قَوْلهَا: «غسله» ضَبطه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم بِضَم الْغَيْن قَالَ: وَهُوَ المَاء الَّذِي يغسل بِهِ، وَضَبطه ابْن باطيش- بِكَسْرِهَا.

.الحديث الثَّامِن عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: كَمَال الْغسْل يحصل بِأُمُور...
فَذكرهَا إِلَى أَن قَالَ: وَالرَّابِع يفِيض المَاء عَلَى رَأسه، ثمَّ عَلَى الشق الْأَيْمن، ثمَّ عَلَى الشق الْأَيْسَر ورد كَذَلِك فِي غسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. انْتَهَى.
الَّذِي ألفيته فِي ذَلِك حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ كَانَ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء نَحْو الحِلابِ، فَأخذ بكفه بَدَأَ بشق رَأسه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ أَخذ بكفيه فَقَالَ بهما عَلَى رَأسه». هَذَا لفظ مُسلم وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَبَدَأَ» بدل «بَدَأَ» وَقَالَ: «عَلَى وسط رَأسه» بدل «رَأسه».
وَفِي رِوَايَة لأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مستخرجه عَلَى صَحِيح البُخَارِيّ: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء دون الحلاب فَأخذ بكفه فَبَدَأَ بشقه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر، ثمَّ أَخذ بكفيه مَاء فأفرغ عَلَى رَأسه» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «أَنه كَانَ يغْتَسل من حلاب، ثمَّ يصب عَلَى شقّ رَأسه الْأَيْمن، ثمَّ يصب عَلَى شقّ رَأسه الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيصب وسط رَأسه».
وَفِي رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة من حَدِيث الْقَاسِم أَنه سمع عَائِشَة تَقول: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل من حلاب فَيَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى شقَّه الْأَيْمن ويَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى شقَّه الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيَجْعَلهُ عَلَى وسط رَأسه». وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بالسند الْمَذْكُور وَلَفظه: «كَانَ يغْتَسل من حلاب مثل هَذَا- وَأَشَارَ أَبُو عَاصِم بكفيه- يصب عَلَى شقّ الْأَيْمن، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيصب عَلَى شقَّه الْأَيْسَر، ثمَّ يَأْخُذ بكفيه فَيصب عَلَى سَائِر جسده» ترْجم لَهُ: ذكر وصف الغرفات الثَّلَاث الَّتِي وصفناها للمغتسل من جنابته.
وَرَوَى قبل ذَلِك فِي حَدِيث عَائِشَة بعد قَوْلهَا «ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة، ثمَّ يدْخل أَصَابِعه فِي المَاء فيخلل بهَا أصُول شعره، ثمَّ يصب عَلَى رَأسه ثَلَاث غرفات بِيَدِهِ، ثمَّ يفِيض المَاء عَلَى سَائِر جسده».
وَفِي رِوَايَة للإسماعيلي عَن حَنْظَلَة، عَن الْقَاسِم «أَنه سُئِلَ: كم يَكْفِي من غسل الْجَنَابَة؟ قَالَ: سَمِعت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها تَقول: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يغْتَسل بقدح مثل هَذَا- وَأَشَارَ حَنْظَلَة بِيَدِهِ- كَانَ يغسل يَدَيْهِ، ثمَّ يغسل وَجهه، ثمَّ يَقُول بِيَدِهِ ثَلَاث غرفات مرّة عَن يَمِينه، وَمرَّة عَن شقَّه الْأَيْسَر، وَمرَّة بَينهمَا، وَكَانَ كثير الشّعْر».
هَذَا مَا رَأَيْته فِي الْبَاب، وَأقرب الرِّوَايَات إِلَى مَا سَاقه الرَّافِعِيّ رِوَايَة أبي حَاتِم بن حبَان. وَفِي البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: «كُنَّا إِذا أصَاب إحدانا جَنَابَة أخذت بِيَدِهَا ثَلَاثًا فَوق رَأسهَا، ثمَّ تَأْخُذ بِيَدِهَا عَلَى شقها الْأَيْمن، وبيدها الْأُخْرَى عَلَى شقها الْأَيْسَر».
فَائِدَة: الحلاب الْمَذْكُور هُوَ- بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام وَآخره بَاء مُوَحدَة-: الْإِنَاء الَّذِي يحلب فِيهِ. قَالَ القَاضِي: هُوَ إِنَاء يملؤه حلب النَّاقة، وَيُقَال لَهُ: المحلب أَيْضا. وَكَذَا قَالَه الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ أَنه إِنَاء يسع قدر حلبة نَاقَة. قَالَ- أَعنِي: الْبَيْهَقِيّ-: وَقد جَاءَ عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك أَنه قدر كوز يسع ثَمَانِيَة أَرْطَال. ثمَّ سَاقه عَنهُ بِإِسْنَادِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة، وَأما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ ترْجم عَلَى هَذَا الحَدِيث: بَاب من بدأَ بالحلاب وَالطّيب قبل الْغسْل، وَهَذَا يدل عَلَى أَنه عِنْده ضرب من الطّيب، وَهُوَ غير مَعْرُوف كَمَا قَالَه القَاضِي؛ إِنَّمَا الْمَعْرُوف حب المحلب- بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام- نوع من العقاقير الْهِنْدِيَّة تُوضَع فِي الطّيب، وَقد رَوَاهُ بَعضهم فِي غير الصَّحِيحَيْنِ بِشَيْء نَحْو الجُلاَّب- بِالْجِيم المضمومة وَتَشْديد اللَّام- وَنَقله الْهَرَوِيّ عَن الْأَزْهَرِي قَالَ: فَأَرَادَ بِهِ مَاء الْورْد، فَارسي مُعرب، وَأنكر الْهَرَوِيّ هَذَا وَقَالَ: أرَاهُ الحلاب.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: مَا توهمه البُخَارِيّ غلط، وَمَا ذكره الْأَزْهَرِي وَغَيره تَصْحِيف. وَكَذَا قَالَ صَاحب الْمطَالع: إِن مَا دلّ عَلَيْهِ إِيرَاد البُخَارِيّ عَلَى أَنه ضرب من الطّيب لَا يعرف. وَادَّعَى ابْن الْأَثِير أَنه رُوِيَ بِالْجِيم، ثمَّ قَالَ: وَيحْتَمل أَن البُخَارِيّ مَا أَرَادَ إِلَّا هُوَ، لَكِن الَّذِي يرْوَى فِي كِتَابه، إِنَّمَا هُوَ بِالْحَاء وَهُوَ بهَا أشبه؛ لِأَن الطّيب لمن يغْتَسل بعد الْغسْل أليق بِهِ من قبله وَأولَى؛ لِأَنَّهُ إِذا بَدَأَ بِهِ ثمَّ اغْتسل أذهبه المَاء.

.الحديث التَّاسِع عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ: هَل يسْتَحبّ تَجْدِيد الْغسْل؟ فِيهِ وَجْهَان.
أَحدهمَا: نعم كَالْوضُوءِ. وأظهرهما: لَا؛ لِأَن التَّرْغِيب فِي التَّجْدِيد إِنَّمَا ورد فِي الْوضُوء وَالْغسْل لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. انْتَهَى.
وَأَشَارَ بذلك إِلَى حَدِيث أبي غطيف الْهُذلِيّ قَالَ: «كنت عِنْد عبد الله بن عمر فَلَمَّا نُودي بِالظّهْرِ تَوَضَّأ وَصَلى، فَلَمَّا نُودي بالعصر تَوَضَّأ فَقلت لَهُ، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول: من تَوَضَّأ عَلَى طهر كتب لَهُ عشر حَسَنَات».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان: ذكر لهشام بن عُرْوَة هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد مشرقي. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَد أبي دَاوُد ثمَّ قَالَ: فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي وَهُوَ غير قوي، وَقد أسلفنا فِي فُصُول السِّوَاك حَدِيث عبد الله بن حَنْظَلَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي ذَلِك. وَفِي الْإِحْيَاء للغزالي: «وضوء عَلَى وضوء نور عَلَى نور» وَلَا يحضرني.

.الحديث العشْرُونَ:

أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «أما أَنا فأحثي عَلَى رَأْسِي ثَلَاث حثيات، فَإِذا أَنا قد طهرت».
هَذَا الحَدِيث قدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَاب الْوضُوء.

.الحديث الحَادِي بعد الْعشْرين:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله عَن الْغسْل من الْحيض فَقَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا. فَلم تعرف مَا أَرَادَ، فاجتذبتها وَقلت: تتبعي بهَا أثر الدَّم».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن الحَجبي، عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن عَائِشَة قَالَت:
«جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تسأله عَن الْغسْل من الْمَحِيض فَقَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا. قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا؟ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله!- واستتر بِثَوْبِهِ- تطهري بهَا. فاجتذبتها- وَعرفت الَّذِي أَرَادَ- فَقلت لَهَا: تتبعي بهَا أثر الدَّم- يَعْنِي الْفرج».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة أَيْضا عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن غسلهَا من الْحيض فَأمرهَا كَيفَ تَغْتَسِل قَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهرين بهَا. قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا؟ قَالَ: تطهري بهَا. قَالَت: كَيفَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ الله! تطهري بهَا. فاجتذبتها إِلَيّ فَقلت: تتبعي بهَا أثر الدَّم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وهيب عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار قَالَت للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: كَيفَ أَغْتَسِل من الْمَحِيض؟ قَالَ: خذي فرْصَة ممسكة فتوضئي ثَلَاثًا. ثمَّ إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام استحيى فَأَعْرض بِوَجْهِهِ وَقَالَ: توضئي بهَا. فأخذتها فجذبتها فَأَخْبَرتهَا بِمَا يُرِيد النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم» وَمن تراجمه عَلَى هَذَا الحَدِيث بَاب الْأَحْكَام الَّتِي تعرف بالدلائل.
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة أَيْضا، عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة قَالَت: «سَأَلت امْرَأَة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ تَغْتَسِل من حَيْضَتهَا؟ قَالَت: فَذكرت أَنه علمهَا كَيفَ تَغْتَسِل ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة من مسك فَتطهر بهَا فَقَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا؟ قَالَ: تطهري بهَا سُبْحَانَ الله. واستتر- وَأَشَارَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِيَدِهِ عَلَى وَجهه- قَالَت عَائِشَة: فاجتذبتها إِلَيّ وَعرفت مَا أَرَادَ، فَقلت: تتبعي أثر الدَّم بهَا». وَفِي لفظ: «تتبعي بهَا آثَار الدَّم» ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث وهيب، عَن مَنْصُور، عَن أمه، عَن عَائِشَة «أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أَغْتَسِل عِنْد الطّهُور؟ فَقَالَ: خذي فرْصَة ممسكة فتوضئي بهَا...» ثمَّ ذكر نَحْو حَدِيث سُفْيَان ثمَّ رَوَاهُ مطولا مُنْفَردا بِهِ من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر، عَن صَفِيَّة، عَن عَائِشَة «أَن أَسمَاء- وَهِي بنت شكل- سَأَلت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن غسل الْمَحِيض فَقَالَ: تَأْخُذ إحداكن ماءها وسدرتها فَتطهر فتحسن الطّهُور، ثمَّ تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه دلكا شَدِيدا حَتَّى تبلغ شئون رَأسهَا- يَعْنِي: أصل الشّعْر- ثمَّ تصب عَلَيْهَا المَاء، ثمَّ تَأْخُذ فرْصَة ممسكة فَتطهر بهَا. فَقَالَت أَسمَاء: وَكَيف أتطهر بهَا؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله! تطهرين بهَا. فَقَالَت عَائِشَة- كَأَنَّهَا تخفي ذَلِك-: تتبعين بهَا أثر الدَّم. وَسَأَلته عَن غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: تَأْخُذ مَاء فَتطهر فتحسن الطّهُور أَو تبلغ الطّهُور ثمَّ تصب عَلَى رَأسهَا فتدلكه حَتَّى تبلغ شئون رَأسهَا، ثمَّ تفيض عَلَيْهَا المَاء. قَالَت عَائِشَة: نعم النِّسَاء نسَاء الْأَنْصَار؛ لم يكن يمنعهن الْحيَاء أَن يتفقهن فِي الدَّين».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «خذي فرْصَة ممسكة».
قلت: قد أخرجهَا الشَّيْخَانِ كَمَا عَلمته.
فَوَائِد: الأولَى: أبعد ابْن حزم فطعن فِي محلاه فِي رِوَايَة «فتطهري بهَا» وَفِي رِوَايَة: «فتوضئي بهَا» بِأَن قَالَ: لم تسند هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَهُوَ ضَعِيف، وَمن طَرِيق مَنْصُور ابْن صَفِيَّة، وَقد ضعف وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بروايته. هَذَا لَفظه، وَهُوَ عَجِيب من وُجُوه: أَولهَا قَوْله: لم تسند هَذِه اللَّفْظَة إِلَّا من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن مهَاجر جهل مِنْهُ؛ فقد أسندها ابْن عُيَيْنَة كَمَا أخرجهَا الشَّافِعِي والشيخان، ووهيب كَمَا أخرجه الشَّيْخَانِ.
ثَانِيهَا: جرمه بتضعيفه إِبْرَاهِيم وَقد احْتج بِهِ مُسلم، وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقه، وَوَثَّقَهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْعجلِي، وَتكلم فِيهِ ابْن معِين بِحَضْرَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. فَغَضب عبد الرَّحْمَن فكره مَا قَالَه، وَقَالَ يَحْيَى بن سعيد: لم يكن بِالْقَوِيّ. وَلَعَلَّه الْتبس عَلَى ابْن حزم بإبراهيم بن مهَاجر بن مِسْمَار فَإِنَّهُ مُنكر الحَدِيث، كَمَا قَالَه البُخَارِيّ، وَضَعِيف كَمَا قَالَه النَّسَائِيّ، وَإِن كَانَ يَحْيَى قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس فِي رِوَايَة عُثْمَان بن سعيد عَنهُ.
ثَالِثهَا: تَضْعِيفه مَنْصُور ابْن صَفِيَّة من أَفْرَاده، وَلَا يحضرني سلفه فِي ذَلِك، وَقد أخرج الشَّيْخَانِ لَهُ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقه، وَوَثَّقَهُ النَّاس: أَحْمد وَابْن عُيَيْنَة وَغَيرهمَا.
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: السائلة فِي رِوَايَة الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم هِيَ أَسمَاء، كَمَا صرح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته الْأُخْرَى، وَهِي أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن خطيبة النِّسَاء، كَمَا ذكره الْخَطِيب فِي «مبهماته» وَرَوَى حَدِيثا فِيهِ تَسْمِيَتهَا بذلك، وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى «أَحَادِيث الْمُهَذّب» وَوَقع فِي رِوَايَة لمُسلم أَنَّهَا أَسمَاء بنت شكل، كَمَا أسلفناها- بالشين الْمُعْجَمَة وَالْكَاف المفتوحتين- وَحَكَى صَاحب الْمطَالع إسكان الْكَاف أَيْضا، قَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه: فَيجوز أَن تكون الْقِصَّة جرت فِي مجْلِس أَو مجلسين. وَأما الْحَافِظ شرف الدَّين الدمياطي فَقَالَ: هَذِه الرِّوَايَة تَصْحِيف. وَجزم ابْن الْأَثِير فِي شرح الْمسند بِمَا أسلفناه عَن الْخَطِيب ثمَّ قَالَ: وَهِي أنصارية أحد نسَاء بني عبد الْأَشْهَل، تكنى أم عَامر، وَقيل: أم سَلمَة. قَالَ: وَقيل: اسْمهَا: فكيهة، وَهِي مَدَنِيَّة من المبايعات وَيُقَال إِنَّهَا بنت عَم معَاذ بن جبل، أَو بنت عمته، وَكَانَت من ذَوَات الْعقل وَالدّين، شهِدت اليرموك، وَقتلت تِسْعَة من الْكفَّار بعمود فسطاط.
الْفَائِدَة الثَّالِثَة: فِي ضبط مَا وَقع فِي الحَدِيث من الْأَلْفَاظ: الفرصة- بِكَسْر الْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة- الْقطعَة من كل شَيْء، ذكره ثَعْلَب وَغَيره، وَاقْتصر الرَّافِعِيّ عَلَى حكايته عَن ثَعْلَب، وَحَكَى عَن الغريبين أَنَّهَا الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن، وَقَالَ ابْن سَيّده: الفرصة: الْقطعَة من الْقطن أَو الصُّوف مُثَلّثَة الْفَاء. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ أَيْضا فِي غَرِيبه: هِيَ الْقطعَة من الصُّوف أَو الْقطن، يُقَال: فرصت الشَّيْء إِذا قطعته بالمقراض؛ أَي: شَيْئا يَسِيرا، مثل الْقَرْض بِطرف الأصبعين. وَفِي أبي دَاوُد، عَن أبي الْأَحْوَص أَنه كَانَ يَقُول: قرصة-
أَي: بِالْقَافِ- كَمَا ضَبطه الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه وَقَالَ أَبُو عبيد وَابْن قُتَيْبَة: إِنَّمَا هُوَ قرضة- بِالْقَافِ المضمومة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة- وَيدل عَلَيْهِ الرِّوَايَة السالفة «قرضة ممسكة»- بِضَم الْمِيم الأولَى وَفتح الثَّانِيَة وَفتح السِّين الْمُشَدّدَة وَكسرهَا أَيْضا- أَي: قِطْعَة من قطن أَو صوف أَو خرقَة مطيبة بالمسك.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلم يكن للْقَوْم وسع فِي المَال بِحَيْثُ يستعملون الطّيب فِي مثل هَذَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ممسكة أَي: خلقا، فَإِنَّهُ أصلح لذَلِك فَلَا يسْتَعْمل جَدِيد الْقطن وَالصُّوف للارتفاق بِهِ فِي المغزل وَغَيره، وَالْمَشْهُور الأول.
والمسك- بِكَسْر الْمِيم- قَالَ النَّوَوِيّ: وَعَلِيهِ الْفُقَهَاء وَغَيرهم من أهل الْعلم، وَادَّعَى القَاضِي عِيَاض أَن الْفَتْح فِيهِ رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهُوَ الْجلد أَي: قِطْعَة من جلد فِيهِ شعر، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّه الْمَشْهُور، وَبِه جزم ابْن قُتَيْبَة قَالَ: وَمَعْنَاهُ الْإِمْسَاك. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: لقد أحسن من قَالَ فِي ابْن قُتَيْبَة هجوم ولاح عَلَى مَا لَا يحسن. هَا هُوَ قد أنكر مَا صَحَّ فِي الرِّوَايَة من «فرْصَة» وَجَهل مَا صحّح لَفظه أَئِمَّة اللُّغَة وَاخْتَارَ مَا لَا يلتئم الْكَلَام مَعَه؛ فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال: حد قِطْعَة من أمساك وَسوى بَين الصَّحَابَة كلهم فِي الْفقر، والمعلوم من حَالَة أهل الْحجاز كَثْرَة الْمسك عِنْدهم؛ فَلَا الْتِفَات إِلَى قَوْله.
والمسك يذكر وَيُؤَنث كَالْعَيْنِ ذكره صَاحب الواعي، وَقيل: من ذَكَّر أَرَادَ الْمسك، وَمن أَنَّث أَرَادَ الرَّائِحَة. وَفِي الفصيح: الْمسك ضرب من الطّيب وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن طَلْحَة وَقَالَ: صَوَابه: المسَك أَي كَمَا قَالَه ابْن السّكيت، قَالَ ابْن سَيّده: وَحَكَى ابْن الْأَعرَابِي: مسك إدفر- بِالدَّال الْمُهْملَة- وَلم يحكها أحد سواهُ، إِنَّمَا هِيَ الْمُعْجَمَة.